الأدب و الأدباء

سلسلة مقالات نقدية ” المدارس النقدية الحديثة وقضايا النقد الأدبي “

بقلم / أ : مصعب أبوبكر أحمد

هذا ووجدنا أن عدداً من شعرائنا قد فتحوا صدورهم لكل رياح التجديد العارمة ، فظهرت عليهم بعض إتجاهات التجديد ، متأثرة بالثقافتين : الفرنسية والإنجليزية ، وبقى لها الفضل بعد ذلك في ريادة التجديد في الشعر الحديث .
وقد تجلَّت أولى هذه المحاولات في شعر خليل مطران ، الذي بدا واضحاً تأثره بالنظرية الرومانتيكيّة منذ عام ألف وثمانمئة أربعة وتسعين للميلاد ، هذا وجدناه في مقدمته التي صّدر بها ديوانه ، وأوضح فيها معالم نهجه الفني الجديد : ( هذا شعر ليس ناظمه بعبده ولاتحمله ضرورات الوزن والقافية على غير قصده ، يقال فيه المعنى الصحيح في اللفظ الوضيح ، ولا ينظر قائله إلى جمال البيت المفرد ، ولو أنكر جاره وشاتم أخاه ، ودابر المطلع وقاطع المقطع ، وخالف الختام ، بل ينظر إلى جمال البيت في ذاته ، وفي موضوعه ، وإلى جملة القصيدة في تركيبها ، وفي ترتيبها ، وفي تناسق معانيها وتوآفقها ، مع ندور التصوُّر وغرابة الموضوع ومطابقة كل ذلك للحقيقة ، وشفوفه عن الشعور الحر ، وتحري دقة الوصف واستيغائه فيه على قدر )
نرى أنه صدق فيما ذهب إليه ، ونرى شعره – خاصة الذي نظمه بعد أن تعدى دور التقليد – نراه محاولة أمينة لتطبيق هذا النهج في فلسفة الشعر وصياغته ، فكثير من قصائده في الطبيعة تجارب وجدانية يخلطها بنفسه ، ويسقط عليها من مشاعره ، وكأن الطبيعة عنده كائن حي يتمتع بكافة خصائص البشر من أحاسيس ومشاعر . كما أن كثيراً من قصائده ذات إطار قصصي ، يمكن إعتباره معادلاً لعواطف الشاعر ، وهو مايضفي عليها صلابة وإحكاماً في البناء الشعري .
إن هذا النهج الجديد الذي انتهجه مطران في إدراك الشعر وبناء القصيدة ، نرى أثره في كثير من الشعراء الذين عاصروه ، وتتلمذوا عليه أو على شعره ، خاصة بعض شعراء ( أبولو ) ممن تجلت في نتاجهم رمزية مبكره نراها تمشي على استحياء في شعر : ” خليل شيبوب ” الذي هبط مصر عام ألف وتسعمئة وثمانية من موطنه بللاذيقية ، والذي نحسبه ينفرد من بين المتأثرين بإتجاهات مطران ، بأنه ظل مواظباً على العناصر التي يقوم عليها مذهب مطران في الشعر .
ومما سبق نخلص إلى أن محاولة خليل مطران إن كانت قد ارتكزت في الأصل على أساس من الإحتفاظ بقيم اللغة وأساليبها ، فإن نظائرها في الشام وفي المهجر السوري اللبناني ” بالأمريكتين ” قد انطلقت – إلى حد ما – من قيود اللغة العربية. عليه يمكننا أن نحكم : بأنها نيجة لذلك بدأ نوع من الأدب يفرض سيطرته على العالم العربي ، حتى إذا انهارت ” الرابطة القلميّة ” وانتشر عقد زعماء المدرسة العربية بأمريكا . وقد قامت في القطر الشمالي محاولات شعرية هي وسط بين إتجاه مطران والإتجاه المهجري ، وتمثلت في آثار : ” عمر أبي ريشة ، وعلي الناصر بسوريا ، وإلياس فياض ، وحبيب ثابت ، وسعيد عقل ، وصلاح لبكي ، خليل زخريا ، نقولا بسترس ، حسن كامل الصيرفي ، بشر فارس ، وغيرهم . “

* مقدمة خليل مطران – ج1 – ط2 – دار الهلال 1949م

 

مقالات ذات صلة

رئيس التحرير

المشرف العام على موقع العالم الحر
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق

انت تستخدم حاجب الاعلانات

يرجي غلق حاجب الاعلانات للاستمرار فى تصفح الجريدة